عشوائيات ..

الحرف واللون والصورة…

الديكتاتورية تبدأ من هنا !!


تنويه: التدوينة من وحي الحياة الاعتيادية وليست من وحي “الربيع العربي” !!

لكل مجتمع مجموعة من المبادئ والقواعد التي يرتكز عليها، وعلى الفرد الالتزام بها وذلك حفاظاً على تماسك المجتمع الذي ينحدر منه دون أن تكون هذه القواعد عائقاً لتطور الفرد بالتالي تطور المجتمع، وليتحقق ذلك يجب أن تتسم القواعد بالمرونة والقابلية للتغيير دون أن تصل هذه المرونة حد الانفلات والفوضى، قد تبدو المعادلة صعبة لا سيما أن لكل منا “ستالينه” المسيطر على عالمه الخاص، فما نعاني منه هو ديكتاتورية أفراد نتعامل معهم بشكل يومي، فدكتاتورية الفرد هي أصل الديكتاتورية في المجتمع ومنها تبدأ وتنمو، وليس غريباً أن نجد الشخص المتسلط عليه هو شخص متسلط أيضاً!.

التربية الموجهة في سياسة الحكومات والمناهج المدرسية ووسائل الإعلام وصولاً إلى التربية المنزلية هي التي تلقن الأفراد الولاء المهجن وتُلبس بعض الأشخاص هالة من القداسة وفق سلطة يقدَّر أن تكون لهم بطريقة أو بأخرى، فالمدير يتسلط على موظفيه والأب على الأسرة الأم على الأبناء والذكر على الأنثى والغني على الفقير والحاكم على المحكوم … إلخ، كل هذا في دوائر تضيق وتتسع وفق مساحة السلطة المكتسبة (أو المنتزعة) وتُمنح الأفضلية لأشخاص يتمسكون بسلطتهم ويفرضونها بما لهم من رمزية لا يمكن المساس بها وفق تربية موجهة ومن خلال ولاء هجين.!

من أين تنشأ الديكتاتورية؟

تنشأ الديكتاتورية من الـ “أنا” الموجودة في أصل الإنسان منذ طفولته المبكرة حيث يمتلك قدر من التسلط وحب الاستحواذ والسيطرة، ويتوجب كبح بذرة الديكتاتورية من خلال قيام الأهل بوضع قوانين وضوابط لتربية وتهذيب الطفل ووضعه على سكة التمييز بين ما هو خطأ وما هو صواب وتنمية شعوره بالانتماء إلى مجموعة تعنيه مصالحها المتصلة بمصالحه بشكل أو بآخر، وهناك شعرة تفصل بين سن القوانين للتربية وبين ممارسة الديكتاتورية في تربية الطفل التي قد تؤدي إلى تشوه مفهوم الاحترام لديه وتفقده ثقته بنفسه لا سيما عندما يمتد فرض الرأي الأحادي إلى ما بعد اكتمال شخصية الطفل ونضوجه، أن يلتزم الأبناء بسياق ما هو مقبول ومرفوض لدى الوالدين من باب الولاء والطاعة وهو أمر جيد ظاهرياً إلا أن تبني الأفكار وتوارثها على المدى الطويل يؤدي إلى تحجرها، وكثيراً ما نجد أن الخوف والحاجة هي الدافع لانصياع الأبناء للآباء، ولا عجب أن يردد الآباء (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحساناً)* ليستمدوا حقهم في التسلط بصلات مقدسة بناءً على موروث فكري أو ديني أو اجتماعي، وهذا من شأنه تهميش واستصغار رأي الأبناء لدرجة تصل أحياناً حد الذل والإهانة، هذا النوع من التقديس البعيد عن الموضوعية يؤدي إلى تضليل الذات وإقصاء الرأي الآخر واتهام أي نقد بالتعدي على حدود لا يجوز المساس بها!!…

غالباً يمارس الديكتاتور تسلطه لامتلاكه قوة مقارنة بضعف الآخر ومما يولِّد حالة من الغضب والقهر، وعليه يجب أن نعي الغضب الناتج عن الديكتاتورية ودراسته كي لا تتفاقم المشكلة وتنشأ دائرة ديكتاتورية جديدة، كما أن الاستكانه والخضوع تشجع الديكتاتور على تسلطه لسهولة انسياق الطرف الآخر لمشيئته ومن الوارد أيضاً أن يميل بعض الأشخاص إلى إعفاء أنفسهم من مسؤولية القرار والاختيار دون أن يدركوا بأنهم مع الوقت لو أرادوا اختيار ما يريدون فإنهم لن يستطيعوا ذلك لأن من يختار ويقرر عنهم لم يعتد أن يخيرهم أو يستشيرهم، لذا يجب التعبير عن رفضنا للسيطرة علينا حتى لو كان الطرف الآخر هو الأقوى وذلك كي لا تصبح سيطرتهم مسلمةً لا يمكن الخروج عليها…

لغة الحوار الحلقة المفقودة…

عندما تكون لغة الحوار مفقودة أو المشوهة، فإن الديكتاتور لا يتراجع عن رأيه لصالح رأي يتبناه غيره ولا يلتمس الصواب منه حتى وإن كان الآخر مصيباً ولا يجوز مراجعتهم حتى لو أخطأوا وكأن قراراتهم هي نهاية المطاف ويعتقدون بأنهم يرون ما لا ترى وإن أنت عبرت عن رأيك فأنت تجادل فيما لا علم لك فيه !!

إن فرض آراء ذايتة دون النظر إلى أبعاد أخرى يهمش الفرد لصالح بيئة ديكتاتورية يسيطر عليها فرد أو فئة معينة، فلا مجال للرأي الآخر ولا للحوار مما يؤدي إلى الظلم والقهر والتخلف وكلما تعمقت الديكتاتورية تفاقم الأثر وتأصلت في الفكر لدرجة ينسى فيها الفرد أن له لساناً أو عقلاً يحق له استخدامه للتعبير عن رغباته وتحقيق متطلباته حتى لو زال الديكتاتور نفسه!

في النهاية من الضروري التوقف عن وراثة الدكتاتورية فالتجارب ليست بالضرورة أفضل ما يمكن الوصول إليه ويمكن للفرد التعلم منها وتطويرها وتغييرها لما هو أفضل بعيداً عن القوالب المتحجرة التي تعيق الفرد والمجتمع بينما يسير الغير في ركب التطور والتقدم..

______________________________________________________

* الإسراء آية (23)

6 responses to “الديكتاتورية تبدأ من هنا !!

  1. ahmadst 4 جويلية 2012 عند 1:51 م

    الموضوع ممتاز، لكن في نقاط نقاش طويلة عريضة بالموضوع، أولها موضوع تعريف المجتمع والتي أتفق فيها معك بموضوع وجود مجموعة من المبادئ والقواعد التي يرتكز عليها المجتمع، وضرورة التزام الفرد بهذه القواعد، لكن من دون أن تكون هذه القواعد عائقا لتطور الفرد وبالتالي المجتمع، فهنا أعود للنقاش حول هذه النقطة، فالمجتمع وبحكم أنه تجمع يحقق مصلحة الجميع، فهو بالتالي يتغاضى عن المصلحة الفردية في وجه مصلحة الجماعة، وطبعا فإن ذلك لا يلغي أهم أساس من أسس تكوين المجتمعات وهي الحمائية وتوفير عدالة بالفرص لدى الجميع، ولكننا وفق النظم الاجتماعية الحديثة نرى أن المجتمعات عموما تعاني في مراحل مفصلية من تاريخها تباين في عدالة الموارد وتسخيرها، وهذا ما يثير الحراك داخل المجتمعات، والتي أعتبر أن ذروتها هي الثورات التي تخرج نقمة وردا على عدم العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، طبعا هذا التفاوت موجود في جميع المجتمعات وبنسب ظاهرة، وغالبا ما تتقدم الدول الغربية على الدول النامية في توظيف هذه الدراسات للقضاء على هذا التفاوت، مثال ذلك التفاوت بين أبناء الأغنياء والفقراء في تحصيل العلم كما في المقالة التالية:
    http://www.bbc.co.uk/arabic/artandculture/2012/07/120701_education_study.shtml
    وطبعا بظل لا عدالة التوزيع في القوة والمال والسلطة تنشأ مراكز قوة في المجتمع، وتحاول كل سلطة فرض نفوذها المستديم على المجتمع، فالقوة المادية البحتة المتمثلة بالجند والعسكر تحاول فرض هيمنتها بشكل دائم وقوة رأس المال تحاول توظيف إمكاناتها عادة بتسخير القوة المادية لديها، ولذلك فكثيرا ما نسمع بمصطلح تزاوج رأس المال والسلطة في بلادنا العربية لأنها تعاني من أنيميا ديكتاتورية حادة، وهذا ما يسبب استقطاب حاد في العدالة الاجتماعية تؤدي إلى حدوث ثورات تكرارية خلال تاريخ هذه الأمم، بعكس الأمم التي استطاعت الفصل بين أصحاب رأس المال مثلا لتشكيل معسكرات متباينة قد تكون قادرة على تحقيق وإعادة توزيع جزء من الثروة الوطنية.
    يعني ببلداننا العربية نشهد خلال كل نصف قرن على الأقل ثورة، أما في فرنسا وأمريكا فكل ما شهدتاه كان ثورة واحدة منذ ما يقارب القرنين ولم نعد نسمع أو نشم رائحة الثورات في هذه البلدان.
    بالنهاية أعود إلى موضوع البدء وهو أن المجتمع يكتم تطور الفرد بنواحي نفسية ومادية معينة ولكنه يقدم عدالة في الفرص ولو كان نظريا ويوفر له الحماية الناجمة عن قوة المجتمع المتمثلة بالسلطات المنبثقة من هذا المجتمع.

    يعني مضمون العقد الاجتماعي في أي مجتمع يقوم على التنازل عن حقوق وإمكانيات معينة لصالح الحصول على الحماية والقوة التي تمثلها الجماعة، فالفرد مستفيد وخاسر بالعملية، يعني العملية عملية تبادلية وبمصطلح بسيط بيع وشراء، بين الحقوق والواجبات. ولكن متل ما ذكرت وجود الأنا يدفع الانسان إلى تحقيق ذاته على حساب الكل ونسيان البنية الاجتماعية يلي عم يغامر بخسارتها.
    وبالنسبة لتكملة الموضوع سأكمل معك نقطة نقطة في النقاش.
    تحياتي

    • Noha Sobh 4 جويلية 2012 عند 8:50 م

      في ردك تحدثت عن الديكتاتورية السياسية (سلطة – شعب – رأس مال) الديكتاتورية السياسية تبدأ من الفرد و تتفشى كالسرطان (وليس أنيميا) في المجتمع ومنها إلى السطلة ومنها إلى السياسة وكلها على الفرد او مجموعة أفراد… وفي هذه الحالة الديكتاتورية (بمفهومها العام) هي كمثل كرة الثلج التي تكبر وتكبر ما لم تجد حاجزا يمنع استمرارها بل ويحطمها !!
      تحياتي لك أحمد ^_^

  2. رياض Riyadh 26 جويلية 2012 عند 10:51 ص

    ” لكل مجتمع مجموعة من المبادئ والقواعد التي يرتكز عليها، وعلى الفرد الالتزام بها وذلك حفاظاً على تماسك المجتمع الذي ينحدر منه دون أن تكون هذه القواعد عائقاً لتطور الفرد بالتالي تطور المجتمع، وليتحقق ذلك يجب أن تتسم القواعد بالمرونة والقابلية للتغيير دون أن تصل هذه المرونة حد الانفلات والفوضى، ”

    أيهما أتى قبل الآخر البيضة أم الدجاجة ؟! هذا سؤال يعتبره البعض معضلة وغير قابل للحل مع أن الحل بسيط فالبيضة نتاج عملية تلقيح الديك للدجاجة وعليه تكون الدجاجة أتت قبل البيضة والبيضة هي البنت الشرعية للدجاجة والديك إلا إذا كان اسم الدجاجة مريم في هذه الحالة تكون البيضة الأولى معجزة من المعجزات وحتى لا أبعد عن الموضوع كثيرا أقول :

    أيهما يبدأ أولا حرية الفرد أم حرية المجتمع وهل يمكن أن تكون هناك حرية للمجتمع دون حرية الفرد ؟!!
    مشكلتنا نحن العرب أننا نريد أن نخترع العجلة من جديد بحجة أن عجلة الغرب لا تتماشى مع الخصوصية العربية … وهكذا نخترع عجلة مربعة الشكل …
    التطور تطور الفرد وبالتالي المجتمع لا يأتي من تقديس العادات والتقاليد والموروث أو القواعد والمبادئ فهذه تهدف إلى تنظيم حياة الفرد وبالتالي المجتمع لا تقييد حركتهم وحريتهم ….
    والمجتمع ( الأسرة – المؤسسة إلخ ) في الأخير هو من يصنع الديكتاتور وكذلك الفرد المستسلم لمجموعة المبادئ والقواعد والراضي عن ديكتاتورية المجتمع او ما يسمى بالعادات والتقاليد المقدسة !

    • Noha Sobh 26 جويلية 2012 عند 5:46 م

      الفرد يأتي إلى هذه الدنيا ضمن مجتمع، على الاقل أم و أب … وجود مصطلحات مثل: عيب ، حرام، لا يجوز، خطأ، صواب، غضب، رضا، .. الخ ناتجة عن موروث ديني أو عادات وتقاليد هدفها السيطرة على الفرد بدلا تنظيم حياته تكبر هذه المصطلحات مع الوقت ثم يسعى كل فرد الى تطبيقها بالتالي تستمر وتنتشر في المجتمع أكثر فأكثر .. أجل الحرية تبدا من الفرد والديكتاتوية كذلك ….
      دمت بخير و حرية رياض ^_^

  3. سواح 3 أكتوبر 2012 عند 7:54 ص

    مقال جيد احييكي عليه

أضف تعليق